الرد المحكم على شبهة لا أشبع الله بطنه .
نص الحديث :
روى مسلم من حديث ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله ـ فتواريت خلف باب. فجاء فحطأني حطأة وقال: "اذهب وادع لي معاوية". قال: فجئت فقلت هو يأكل. قال: ثم قال لي: "اذهب فادع لي معاوية". قال: فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: "لا اشبع الله بطنه" (2604)
نفهم من الحديث تأكيد صحبة معاوية و بأنه من كتاب رسول الله. و ليس في الحديث ما يثبت أن ابن العباس –وقد كان طفلاً آنذاك– قد أخبر معاوية بأن رسول الله يريده، بل يُفهم من ظاهر الحديث أنه شاهده يأكل فعاد لرسول الله ليخبره. فأين الذم هنا كما يزعم الرافضة هل في الأكل ذنب ؟!
وإذا كان معلوم سمو أخلاق الرسول الذي قال عنه تعالى :{وانك لعلى خلق عظيم } ( القلم 4), لا يعقل أن يبتدر بالدعاء على معاوية( بالجوع ) من دون سبب يستوجب ذلك , والظاهر في الحديث هو الدعاء لمعاوية " فلا أشبع الله بطنك"
تتضمن أن الله سيرزقك رزقاً طيباً مباركاً يزيد عمّا يشبع البطن مهما أكلت منه. و قد كانت تأتيه –رضي الله عنه– في خلافته صنوف الطيبات التي أغدقت على الأمة كما ذكر إبن عساكر في تاريخ دمشق.
وهذا الحديث إشارة إلى البركة التي لحقت بمعاوية من إجابة دعاء الرسول له .
أو قد يكون منه صلى الله عليه وسلم من غير مقصد ، بل هو ماجرت به عادة العرب في وصل كلامها بلانية , كقوله في بعض نسائه ( عقرى حلقى ) ( وتربت يمينك ) ، وقوله في حديث أنس الآتي : ( لاكبر سنك ) .
ويمكن أن يكون منه صلى الله عليه وسلم ذلك بباعث البشرية التي أفصح هو عنها ـ عليه السلام ـ في أحاديث كثيرة متواترة منها حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : (دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان ، فكلماه بشيء لاأدري ماهو ، أغضباه ، فلعنهما وسبهما ، فلما خرجا , قلت يا رسول الله ! من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان ؟ قال : وما ذاك ؟ قلت : قلت : لعنهتما وسببتهما . قال : ( أوما علمت ماشارطت عليه ربي ؟ قلت : اللهم ! إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا ) صحيح . الصحيحة برقم 83 رواه مسلم مع الحديث الذي قبله في باب واحد وهو : ( باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وهو أهلا لذلك ؛ كان زكاة وأجرا ورحمة )
ثم ساق فيه من حديث أنس بن مالك قال : ( كانت عند أم سليم يتيمة وهي أم أنس فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة فقال : أنت هيه ؟ لقد كبرت لا كبر سنك . فرجعت اليتيمة الى أم سليم تبكي ، فقالت أم سليم : مالك يا بنية ؟ قالت الجارية: دعا علي نبي الله صلى الله عليه وسلم أن لايكبر سني أبدا ، أو قالت : قرني ، فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خماراها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : مالك يا أم سليم ؟ فقالت : نبي الله ! أدعوت على يتيمتي ؟ قال : وماذاك يا أم سليم قالت : زعمت أنك دعوت أن لايكبر سنها ولا يكبر قرنها . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( يا أم سليم ! أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر ، وأغضب كما يغضب البشر ؛ فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل ؛ أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة بها منه يوم القيامة ؟ ) صحيح الصحيحة برقم 84
ثم أتبع الإمام مسلم هذا الحديث بحديث معاوية وبه ختم الباب إشارة منه ـ رحمه الله ـ الى أنها من باب واحد فكما لا يضر اليتيمة دعاؤه صلى الله عليه وسلم عليها ــ بل هو زكاة وقربة ـ فكذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم على معاوية .
وقد قال الإمام النووي في شرحه على مسلم ( 2/ 325ـ طبع هند )
" وأما دعاؤه على معاوية ففيه جوابان :
أحدهما : أنه جرى على اللسان بلاقصد .
والثاني : أنه عقوبة له لتأخره ، وقد فهم مسلم ـ رحمه الله ـ من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقا للدعاء عليه , فلهذا أدخله في هذا الباب ، وجعله غيره من مناقب معاوية ؛ لأنه في الحقيقة يصير دعاء له ) وقد اشار الذهبي الى هذا المعنى الثاني ، فقال في سير أعلام النبلاء ( 9/ 171/2) " قلت : لعله أن يقال : هذه منقبة لمعاوية ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم من لعنته أو سببته فاجعل ذلك زكاة ورحمة ) " واعلم أن قوله صلى اله عليه وسلم .. " إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر.. " إنما هو تفصيل لقول الله تبارك وتعالى ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي .. ) الآية .. إلخ أهــ كلام الألباني رحمه الله من كتابه السلسلة الصحيحة ..
أقول : أحسنوا الظن بالرسول ياروافض , ثم بخال المؤمنين , قد صدق فيكم قول الحق تبارك وتعالى : { إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون } ( الأنعام 116) , وقوله :{ إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } (النجم 23)
فعماد شبهتكم في الطعن في خال المؤمنين هو الظن أو دليل يحتمل أكثر من معنى , ومعلوم أن ما تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال . هذا لشخص العادي فما بالك بمن وعده رب العزة بالجنة .
قال تعالى : {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} (الحديد 10) ومعلوم أن معاوية أسلم بعد الفتح وقد وعدهم الذي لا يخلف الوعد بالجنة .
وأختم قولي : بقول الحق تبارك وتعالى : { إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور} (الحج 38